Le destin ressemble à ces nuits entières
oubliées dans l’encrier... Salah Al Hamdani
كلما تمرستَ بحلِ عقدُ الحياة
تساقطَ من حولكَ من يتصنعُها... صلاح الحمداني
Site officiel de Salah Al Hamdani
ــ موقع صلاح الحمداني ــ
صلاح الحمداني
الشاعروالمسرحي أحمد ضياء
الشاعر والمسرحي صلاح الحمداني
من هجرة الوطن إلى هجرة الذات
حاوره أحمد ضياء
29 novembre 2016
يعد صلاح الحمداني وأحدا من أهم الشعراء العراقيين المتواجدين اليوم في فرنسا، ولد في بغداد في محلة المهدية بالذات عام [1951م] وعانى ولا يزال يعاني من الغربة والتشرد بسبب الحكم الدكتاتوري البائد والحكم الحالي. خصوصية الحمداني هو انتماءه المستفحل للعراق روحيا، وفي الوقت ذاته رفضه أن يؤطر ضمن التراث الثقافي التقليدي العراقي، على أساس أن الإبداع هو منجز متغير باستمرار ولا يستكين.
أجرينا معه هذا الحوار، وتأكد لنا أيضا رفضه الانتماء إلى الفرنكوفونية لأنه أختار المجيء إلى فرنسا طوعيا، حيث يعتبر أن من غير الصحيح تعميم هذه التسمية على كل أجنبي يعيش في فرنسا، بل يجب تحديدها حصرا على الشعوب التي استعمرتهم فرنسا سياسيا وثقافيا واقتصاديا
كيف كانت البداية الفرنسية بالنسبة لك كشاعر ومسرحي وروائي ؟
لم يكن عندي انتماء للثقافة العراقية أو العربية السائدة في سنوات السبعينات لكي تكون عندي بداية في الثقافة الفرنسية أصلا. حينها كنت شاعرا مبتدئ أحمل في كيس من البلاستيك بعض أوراق وهموم كنت أطلق عليهما ربما جزافا "قصائد". لم أكن أمارس الشعر كما يمارسه الآخرون، لأني لم أدرسه في الجامعات أو أمارسه في نوادي الشعراء العراقيين آنذاك، لم أدرس اللغة العربية ولم أقرأ القرآن، وكلما سمعت أحدا يقرأ الشعر العراقي أو العربي أعبر إلى الرصيف الأخر.. لم يكن عندي سوى صديقين كما أتذكر، كانا يمارسون عادة الكتابة الشعرية مثلي، وأول لقاء ليّ مع الشعر العراقي الغير مفبرك والغير مبرقع كما أعرفه اليوم، كان في السجون والمعتقلات البعثية، ومع ما كان يكتبه المعتقلون على حيطان زنزاناتهم الانفرادية من كلمات وجمل وأحاسيس وتعابير مأساوية يأخذونها عادة معهم نحو هاويتهم.. تعرفت على الشعر وبالكاد من خلال بعض السجناء السياسيين المثقفين الذين كانوا يحفظون الشعر عن ظهر قلب ويرددونه في نهاية الليل، وعندما وطئت أقدامي باريس لم يكن لدي من عُدّة الحياة سوى التحايل على الموت ومراوغة عبثية الوجود، وبعض فذلكات وحيل شخصية ساعدتني في الإفلات والتملص من ماكنة الميليشيات البعثية الهائلة واستخباراته، كنت محط أنظار الجهل، ومحاصرا بالعوز، مع القليل من الأفكار والجمل الفلسفية المتواضعة التي اقتنيتها من كتابات "البيير كامو"، والكثير من الهوس المجنون بمُثُل عليا، وقيم أخلاقية، وأحلام بـإصلاح خراب العالم كله.
بعد فترة وجيزة من وجودي في فرنسا تمكنت وبمساعدة بعض التونسيين والفرنسيين من التسجيل في جامعة باريس 8 القسم المسرحي المسائي (ومما ساعد على قبولي كطالب في تلك الجامعة حينها، هو عدم طلبها مني شهادة البكلوريا أو ما يعادلها لأني لا أملكهما أصلا) وبدأت فعلاً في دراسة اللغة الفرنسية والمسرح والفلسفة ليلاً، والعمل كعامل بسيط في مخزن كبير نهارا، وبعد الجامعة تعرفت على فنانين عرب وأجانب من مختلف الأجناس والقوميات، وهذا ما ساعدني كثيراً في التعرف على فنون التمثيل والإعداد والإخراج الخ، على الرغم من معرفتي الركيكة باللغة الفرنسية حينها. وفي عام 1979 حدثت المفارقة الكبرى في حياتي، حينما صدر ديواني الشعري الأول باللغة الفرنسية "حناجر قروية" مترجما عن العربية، وفي ذات السنة اعتليت خشبة المسرح الوطني الفرنسي لأجسد شخصية "أنكيدو" في مسرحية "كلكامش" باللغة العربية الفصحى، وكانت من إخراج المخرج الأرجنتيني الراحل المعروف عالميا "فيكتور غارسيا". حياتي ما بين عامي 1975 و1979 كانت صاخبة وهائجة ومركزة على التدريبات المسرحية والورشات والعروض المتنوعة العديدة، ناهيك عن تعلم اللغة الفرنسية والاطلاع على الثقافة الفرنسية ومدارسها الفكرية والفنية، بالتوازي مع كل هذه النشاطات كنت أمارس الأعمال الشاقة لتوفير لقمة العيش. المجتمع والثقافة واللغة الفرنسية بسطت لي الأشياء وجعلتني أستوعب من أية ثقافة ومن أي مجتمع أنا قادم، وهي التي عمقت فهمي بالوجود وجعلتني أكتشف لغتي العربية وتاريخ أجدادي وأهمية حضارات الشعوب، كل هذه الأمور مجتمعة دفعتني إلى إعادة النظر بما لدي من رصيد معرفي واجتماعي وثقافي عراقي، كما فتحت لي نوافذ الإدراك على مصرعيها، ليس في المسرح فقط وإنما في الفنون الأخرى، كالرسم والغناء والرقص ومن ضمنها طبعا آفاق الشعر ومميزاته الروحية. ومنذ تلك اللحظات حتى اليوم وأنا أتعارك يوميا مع الوجود لتنمية وإغناء تجربتي الفنية وتطويرها "إدراكيا" لكي تناسب طموحي كإنسان أولا ومن ثم كشاعر وكفنان مسرحي ثانيا، حتى لو كان هذا الطموح في حدود البهجة الذاتية، فهو يعكس الحضور في عبثية الوجود وتدوين لضنى يأكل القلب.
هل تجد التجنيس عائقاً أمام فعلك المسرحي؟
أهم ما جنيته من التجنس هو معرفة ذاتي عن كثب، وإمكانيتي أن أقرر بنفسي، وحدي بأمور حياتي ودنياي، وإني سيد نفسي. التجنس ساعدني في الإفلات من جحر العقلية العقائدية للمفهوم القوماني الفاشي وقضاياه، وقوى عودي كآدمي، وجعلني أتمرد على العبودية وعلى من يريد مني أن أكون بضاعة لأمة، وحطبا لحروب ولقضايا لم أخترها بنفسي، وإنما ألبسني إياها من يريدون أن أدافع عن حياتهم وحياة أهلهم وعن حريتهم وقصورهم ومعتقداتهم وحروبهم وممتلكاتهم، بينما أعيش في الحضيض. جنيت مكوناتي بنفسي، وعشقت الوجود والاحتجاج والتمرد واحتضان الحرية وتقبيلها من لسانها بجهودي الذاتية.
ولا وجود لأي علاقة، قطعا، ما بين أخذ الجنسية الفرنسية والإبداع شعريا كان أم مسرحيا.
هل كان لك طريقة اخراجية معينة كالتي قرأناها في المسرح؟ أم أن التجريب هو غايتك الرئيسة؟
حين أسست فرقة مسرحية هويلا
ربما الإثنان معا.. سؤالك هذا مهم جدا، وقبل الإجابة عليه، يضطرني بالعودة بالذاكرة إلى بغداد، أتذكر أنني اعتليت خشبة المسرح الوطني صبياً، كنت أرتدي نعال (أبو الإصبع) والدشداشة و(العرقجين)، لم أكن ممثلا وإنما كنت عازف "صنج" في فرقة موسيقية شعبية في محلة المهدية "شارع الكفاح" في بغداد، وكانت هذه الفرقة تحيي مراسيم وحفلات "الطهور "الختن" والزواج والمآتم الخ] وهي مكونة من العاطلين عن العمل و [الفرارية] الهاربين من الخدمة العسكرية، وكذلك من المدمنين على الكحول و"العربنجية"، و"الشقاوات"، وكان يترأس هذه الفرقة أحد الأكراد من أصل فيلي اسمه (علي خرابة).
بعد أن حازت عروض مسرحية "كلكامش" في باريس على تغطية كبيرة في الإعلام الفرنسي الصحفي والسمعي والمرئي، وقذفتني إلى زخم العمل المسرحي (المحترف) في فرنسا، قررت ترك كل شيء حينها والهجرة إلى إسبانيا برفقة صديقتي الإسبانية الأصل آنذاك. وبعد أسابيع من وصولنا إلى قرية أجدادها الصغيرة التي كانت تطل على البحر، وتحيط بها الجبال، قرية تقع جنوب "برشلونة"، اسمها "سان كارلوس دو لا ربيتا"، غالبية سكانها يعيشون على صيد الأسماك، والزراعة ورعي الأغنام وتربية الخنازير حينها. أخبرت صديقتي بفكرة تشكيل فرقة مسرحية، لأهل القرية، مشترطا إيجاد الممثلين من وسط شباب القرية، بالذات من من ليس لهم تجربة أو خبرة مسرحية. بعد أسابيع وبمساعدتها تمكنت من اختيار الممثلين، أحدهم كان نادل مطعم، وعاطلا عن العمل، والآخر كان صيادا، الثالثة كانت شابة تعمل في صيدلية وسط القرية، بالإضافة إلى فتاة كانت تدرس الطب في العاصمة "برشلونة"، بالإضافة إلى صديقتي الإسبانية التي لم تمتهن التمثيل هي الأخرى. جمعتهم وأمضيت معهم أسابيع في تدريبات مركزة بتقنيات المسرح. كنت أحدثهم باللغة الفرنسية وصديقتي تترجم أفكاري لهم باللغة الكتلانية أو الإسبانية. في نهاية المطاف، وبعد أن تعرفت وقرأت طبائعهم وتعرفت على خصائصهم وشخصياتهم عن كثب، قدمت لهم عملا مكتوبا [وممسرحا] ومفصلا على شخصياتهم حمل عنوان "الرجل المستطيل"، وهو عمل مسرحي أعددته وكيفته من قصائدي وكتاباتي إلى اللغة المسرحية، أعني أني استخدمت الأدوات المسرحية في خدمة القصيدة والنصوص، من إنارة، صوت، موسيقى، ديكور، إكسسوار وممثلين. أي [إعداد ومسرحة القصيدة للمسرح]، وهذا الأسلوب المسرحي كما أعتقد هو "ابتكار" بحت، لأنه لا يعتمد على التأليف المسرحي المكتوب أصلا للمسرح، وإنما يعتمد حصرا على نصوص لا علاقة لها بتاتا بالنصوص المسرحية المتعارف عليها، وبالدرجة الأولى على قصائد وكلمات ولغة شعرية صورية مبعثرة ومنثورة هكذا لا على التعيين.
المهم، بعد أن شاركت المسرحية في مهرجان مسرحي في مدينة "تاركونا" الكتالونية فازت وقتها في المرتبة الأولى.
هل التمسرح هو الغاية الأهم لمنطلقاتك الإخراجية؟
بداية أنا لست ضد المسرح [العرضي أو التقديمي] أو المسرح الواقعي، ولا ضد المسرح التهريجي، لأن جميعها تؤدي وظيفة اجتماعية متفاوتة الأبعاد والمصالح..، لكن هذه الفنون المسرحية تزعجني، لأنها وفي الكثير من الأحيان لا تتعدى كونها سلعة تجارية أو فكرة استهلاكية محشوة بالخطابات الفجة، وأشعر بملل حينما أشاهد مسرحية من هذا النوع. بصراحة توقفت ومنذ زمن بعيد عن الذهاب لمشاهدة عروض لهذا الفن المبتذل.
مسرحة أو تمسرح الوجود هو ما يشغلني، لأسباب عدة، أولها كون الوجود ليس دوما من اختياراتنا الطوعية، وكثير من الأحيان نجده عائقا أمامنا لأنه لا يلائم مسيرة واقعنا وحياتنا اليومية، ومرات نجده طارئا علينا أو قديم العهد، من هنا أجد ضرورة خلق مسرح نموذجي مهمته الخوض في مناخات متحولة وغير مستقرة لكنها متأثرة ومتفاعلة بهذا الشكل أو ذاك مع بيئتها.
أحب دائما أن أكون متورطا بإعمالي، شعرا كانت أم مسرحيا، قلقا ومتوترا حد النزق، وغير خاضع لمقتضيات ضرورية يتطلبها العمل الإبداعي، لا أحب أن يتماهى الفن معي، كما لا أحب أن أتماهى معه، ولا أستسيغ عملية التشريح المجهري للإبداع، بقدر ما يستدعيني غناه وقيمته الفكرية.
هل تجد الكتابة بالفرنسية أكثر متعة من العربية لأنك تفكر بها؟
تريد الصراحة؟، أنا لا أجد أية متعة بالكتابة، حقا، لا باللغة الفرنسية ولا باللغة العربية، لأن الكتابة بالفرنسية بالنسبة لي ورطة ومسؤولية كبيرة، ليس في صياغة الجملة الشعرية فحسب، والتي عليها أن تتميز بجمالها الشكلي، بل في المضمون أيضا، وغالباً، في مضمون أو مضامين ذات أبعاد إنسانية تضفي عليها قيمةً كونية.. الكتابة ليست فسحة صيفية أو متعة جنسية أو فكرة رومانتيكية أو ثورية، وليس تلاعبا بالكلمات لفبركة حالة من الانبهار والدهشة اللغوية الآنية ! فعل الكتابة بالنسبة لي يتجاوز فكرة التعبير عن العواطف أو مجرد الرغبة في طباعة كتاب يحمل اسمي. الكتابة تفكير وإدراك حصيف بالوجود، وأسلوب وخيال وحس ومواقف شجاعة ضد الجهل والخرافة والطغيان، وعلى وجه الخصوص ما تعيشه البشرية اليوم.. أنا لا أريد الهروب من عالمي، على العكس أملك الوقت الكافي كي أضيع فيه، سعيد بمنفاي وغربتي ومتمتع بوجودي، تماما "كسيزيف" و"أنكيدو" وضجري من الحياة ثمين جدا، وكتاباتي باللغة الفرنسية كانت أم باللغة العربية تمثلني وتعكس شخصيتي.
هل تعد الكتابة المسرحية لمسرح المهاجرين إسهاماً جديداً في فضاء الكتابة؟
لحد هذه اللحظة أنا أعتبر نفسي عراقيا منفيا وليس مهاجرا أو مغتربا الخ، وهذا مرتبط بظروف خروجي من العراق، لأني كنت سجينا سياسيا.. في السبعينات، بداية مجيئي إلى فرنسا، لم يكن هناك وجود لمهاجرين عراقيين أو مهجرين ولا حتى منفيين عراقيين في فرنسا، إلا ربما القليل جدا.. لكن أعوام السبعينات في باريس كانت مثمرة لوجود "المسرح في المهجر"، والذي تميز بخطاب مباشر فيما يخص الهموم والمشكلات المختلفة التي كان يعيشها المهاجرون الجزائريون تحديدا. رغم ذلك عملت لفترة وجيزة مع بعض الفنانين المسرحيين التونسيين والجزائريين والمغاربة، لكن للأسف كانت تجارب فاشلة بالنسبة ليّ، ولم أتمكن من التكييف مع نتاجهم المسرحي أو توجهاتهم الفكرية التي تلخصت أساسا في تحديد إبداع مسرحي هاوٍ خاص بالمهاجرين، وكان يختلف في تركيب نسيجه الثقافي والحضاري على ما كان يدور في فضاءات المسرح الفرنسي والأوربي حينها، سواء كان هاويا أو محترفا.
حدثنا عن 20 سنة ثقافية عملت بها بالمسرح الفرنسي، ماذا اضافت لك؟
من الصعوبة اختصار تجربة عشرين عاما ببعض جمل ! لكن دعني أحصيها لك باختصار شديد :
استرجاع كرامتي المفقودة كرجل عراقي وعربي.. الالتزام بالوعد.. الاستماع للآخر.. الإبداع مسؤولية إن لم تكن أخلاقية فهي حتما جمالية، ويفضل أن يجتمع الاثنان معا.. الجراءة في الجهر بمكنوني والتعبير بمفرداتي ولغتي.. رفض نشر ما أكتبه على حسابي الخاص.. عدم التردد في تغيير محيط أعرفه بمحيط آخر مجهول.. المغامرة خطوة مهمة لاكتشاف الذات.. العيش بطمأنينة مع الضجر، وإدراك عبثية الوجود.. البحث دوما عن أسلوب يختزل منظورا مغايرا للعالم في شكله كما في جوهره.. تحويل المنفى إلى حالة نزيف إبداعية لا تتوقف.. الحياة مسرحية كونية للتعايش.. احتقار المرء الذي يظن نفسه أكثر ذكاء من الحمار، لكنه يثبت لنا يوميا عكس ذلك.. عدم رؤية الظواهر والأشياء المحيطي بيّ برؤية فوقية متعالية.. أبدال الحنين بالذاكرة.. رفض الحروب مهما كانت، فليس هناك جرح يستحق الحرب.. معرفة عدد الجدران التي شيدها التراث العربي الإسلامي في داخلي.. الهدنة مع العدو على أسس المصالح الإنسانية المشتركة في الحياة، رفض الاختيار بين جثث المنتصرين والمهزومين.. أنا، أول أعداء نفسي.. المثابرة الفكرية لاستيعاب الصياغات والأشكال الكتابية الأدبية والإبداعية، والقبول بما هو مغاير، ومختلف، ومع ما هو متناقض في الوجود أصلا.. رفض فكرة شهرزاد التي ظلت تسرد وتروي ألف ليلة وليلة كي تبعد الموت عنها، أنا أموت يوميا في دائرة وجودي.. الاعتماد الكلي على التجربة والسيرة الذاتية لامتلاك المخيلة في تشكيل فضاء وعالم افتراضي غير متناقض كثيرا مع الحياة اليومية.. التعايش مع الرؤية المشوشة.. للتكرار فائدة.. التجريب على التجربة، والقبول بالفكرة الهامشية حتى مجيء الفجر.. حلحلة الأسس الثابتة للتراث والأديان والمعتقدات والمفاهيم العقيمة التي أنتجها.. احترام من أعده جاهلا، لأنه يقودني مرات نحو براءتي.. العمل مع من أتصوره أعمى لأنه يدلني دوما إلى طريق النور.. التقليل من ثقل الاحترافية في العمل الفني.. رفض أن تكون عناصر العمل متمركزة في عقل واحد، لأنها تقلل تنوع الأفكار، وبالتالي تجعل العمل بائسا فنيا وفكريا.. التطرق إلى الممنوعات بحرية تامة.. الرفض القطعي للموت والسعي حثيث لترك أثر ما في هذا الوجود، كما الأبطال في التراجيدية الإغريقية الذين كانوا يقاومون قوى الشر من أجل الخلود.. أنا ليس بالضرورة مثالا يقتدى به.
كيف تجد مسرح متعددي الثقافات؟
هذه التسمية غير دقيقة ومتناقضة، لأن جميع تكوينات البشر هي بالضرورة متعددة الثقافات، وفي ذات الوقت، تتجاهل هذه التسمية عمدا فكرة أن الثقافات الغربية إجمالا متعددة الثقافات والأجناس والقوميات والأديان إلخ، كما مهنة التمثيل والمسرح متعددة التقنيات. لكن يبدو ليّ أن من أطلق هذه التسمية، في أوربا، بالتسعينات كما أعتقد، أراد من خلالها خلق حركة ثقافية خاصة، وضيقة، يكون فيها الإبداع ثانويا والتفكير والإدراك العميق بالوجود غير مهم، وأن هناك ثمة نهج وهوية خاصة للمسرح والثقافة الغربية، على أساس أن الإبداع في المسرح وفي الثقافة بشكل عام حصرا ينتجه ويثريه من هم ولدوا من أب وأم غربيين. وهذه التسمية تعكس أيضا فكرة أن من يعمل ثقافيا في الغرب، قادم بالضرورة من ثقافة أخرى مختلفة ومغايرة، لذلك، أنا أعتبر أن هذه التسمية مزدوجة، عنصرية من جانب، ومن جانب أخر تروج لسلعة تجارية لا أكثر.
المناخ الثقافي متطوراً في فرنسا كيف كان احساسك وأنت تضع بصمة داخلة؟
أنا متفق تماما معك، ليس فقط الثقافة الفرنسية في تطور يومي وملحوظ للمتابع، بل لغتها أيضاً، لكني لم أضع حتى الآن بصمتي فيها، وإنما هي التي وضعت بصماتها فيّ، انتظر إلى أن أدفن في تربتها لترى !.