Le destin ressemble à ces nuits entières
oubliées dans l’encrier... Salah Al Hamdani
كلما تمرستَ بحلِ عقدُ الحياة
تساقطَ من حولكَ من يتصنعُها... صلاح الحمداني
Site officiel de Salah Al Hamdani
ــ موقع صلاح الحمداني ــ
صلاح الحمداني ـ من دفتر عراقي في المنفى
بعد احتلال بغداد
"علينا أن نعترف بأن هزيمة تاريخية حلت بنا"
المشاهد في حوار استثنائي
مع الشاعر والمسرحي والسينمائي العراقي بالفرنسية صلاح الحمداني
2005، باريس : «مجلة المشاهد السياسي»
صلاح الحمداني في دور "الدفان" للكاتب المغربي "محمد خير الدين"،
ومن إخراج "جاكي أزنكوت" عرضت في مسرح "المقابل"،
حزيران عام 1981 في باريس.
الجدل العربي في الحداثة
■ هناك جدل في الثقافة العربية يكاد لا ينقطع، حول الحداثة الشعرية بين الإبداع والتنظير، بين الأثر والتقول من وراء الأثر أو في محيطه.. كيف تتراءى لك هذه المسألة ؟
● الكلام عن الحداثة أمر صعب وأكثر من ذلك فهو مليء لأنه مفهوم ذو مقومات خاصة ويستند إلى عدة مستويات تنتشر وتدور عبر تطورات لغوية وثقافية كثيرة، وله كذلك تشعبات ولا يملك زمام التحدث عن الحداثة سوى بعض النقاد والمنظرين الكفوئين الذين استأصلوا من ذواتهم وقواميسهم الفكرية المرجعية الأيدلوجية والدينية العشائرية والتعصبية. أما بالنسبة للأديب والشاعر ـ المبدع خصوصا فأن الحداثة تمثل هيكلا بلا ملامح، ومفهوما يغلفه الغموض أحيانا، وهو بالضرورة يفتقد الهوية والتحديد الصغيرين، لأن الحداثة، رغم كونها نتاجا غربيا خالصا كما يقول تاريخ الدب. فأنها عندي تشكل فضاء حسيا شعوريا ليس له حدود ولا قيود، بعيدا عن المنازلات الصحفية التي يحلوا للبعض خوضها لنحت شروط الإبداع ومثلهم في ذلك مثل من يهيأ للجميع وجبة "فنتازية" في مطبخ جديد ضانين أنهم قدموا بذلك ما هو جديد، ليطلقوا عليها تسمية «القصيدة الحديثة» تارة وتارة أخرى قصيدة النثر.
حداثة القصيدة
■ ولكن كيف ولماذا تكون هذه القصيدة أو تلك التي انبثقت مباشرة عن انفعال داخلي وإحساس مفرد قصيدة حديقة ؟ وكيف يكون صاحبها شاعرا محدثا أو شاعرا تقليديا ؟ ما هي المعايير التي يستند إليها في وصف تجربة شعرية بأنها حديثة ؟
● الإجابة ليست سهلة خصوصا على من يمارس بنفسه عملية الخلق الشعري، ولكن هناك محاولات لفهم النص الإبداعي الجديد، لابد أن تخرج عن التذوق الكلاسيكي. وليس في مقدرة أي شاعر أن يشرح كيفية فهم واستيعاب وسبر أغوار وأبعاد نصه الشعري الحديث.. لابد من وعي حديث لتقديم قراءة حديثة.. عن نفسي لست منظرا وليس من وظيفتي أن أكون منظرا، لكن يشغلني السؤال : هل من الضروري أن يكون للنص الشعري أساس اجتماعي وأيديولوجي، وبعد مرجعي أو رسالة مباشرة ؟ وأنا أطرح هذا السؤال لكوني أعتبر الحداثة منهجا جماليا وفكريا، أدبيا متصلا بالمجتمع الغربي أولا، وثمرة وقائع الحياة الغربية.. أليس من حق النص الإبداعي أن يكون ثمرة لانفعالات حسية أو فورة نفسية شعورية ؟ ولتتخذ على سبيل المثال، صيغة مرفولوجية «تَشَكّلي صَرف»، ليس إلا، دون الحاجة إلى الاتكاء على الفهم المضموني واستنباط روح النص وأعماقه بالطريقة التحليلية أو حسب الأسلوب "الأنطولوجي" في مجتمع محدد ؟ هذه كلها أسئلة تشغلني.. وليس لدي جواب ناجز عنها.
إن الإبداع المستقل عن التأطيرات هو بالضرورة محاولة للتحرر، ضرب من النزوع نحو حرية مطلقة، حرية الانطلاق نحو فضاءات مفتوحة كما عبر الناقد والمفكر الفرنسي "رولان بارت". إذن ليس إجباريا أن يكون الإبداع قناة لإيصال معنى ما أو تصورا إيديولوجيا أو اجتماعيا. أما المفكر الفرنسي "ميشيل فوكو"، فقد أكد على أنه «إذا كان مضمون الأثر الفني هو بصورة ما ترجمة مباشرة أو غير مباشرة لأيديولوجية سلطة ما فإنه سيفقد حريته وسمته كأثر إبداعي. فكل ما هو سلطوي هو استبدادي بالضرورة. أي أنه مُقيد ومُكبل لحرية التعبير، لذا فهو نقيض قاتل لمفهوم الإبداع المطلق». [هنا يتحدث "فوكو" عن النص الإبداعي الذي يستحق صفة الحداثة].
ينبغي إذن على الرؤية الإبداعية أن تمتلك زمام مصيرها بنفسها وأن تنطلق بذاتها محلقة في فضاء اللانهاية واللامحدود والإفلات نهائيا من القيود والقوانين بكافة أشكالها. وللمتلقي [القارئ] الحرية المطلقة، في أن يكيف تخيلاته وأحاسيسه وإسقاطاته لكي يستوعب النص الإبداعي [القصيدة] وله كذلك حرية خلق محاور المخاطبة والجدل من دون وسيط يضرم دخان الإبهام بينه وبين هذه الكتل الجمالية اللغوية والصورية التي يوقدها النص الإبداعي الذي يتلقاه ليثير ويتأثر ويؤثر في أقصى خلجات النفس.
وكلامي هذا لا يتعارض مع التنظير الأدبي وأنا أرى أن من المهام الأولى للتنظير الشعري [حسب ما أفهم] هو التوصل إلى القيمة الجمالية للنص، كنص وضرورة. وليس فقط النقد والتقويم سلبا كان أو إيجابا، لكونه أي النقد يمتلك في حوزته أساليب متنوعة ومناهج متعددة للبحث والتنقيب، فهناك الرؤية "السوسيولوجية" للعملية الشعرية، وهناك النظرية النصية و"السيمائية" لاستنباط الاستدلالات الرمزية، إن وجدت بالفعل، أو من أجل ابتكارها إن كانت غائبة. النقد عملية صعبة ومعقدة، وهي ليست أراء شخصية أو مجاملات "إخوانية"، وإلا فسيكون التوصل إلى تقييم النص الإبداعي صعبا للغاية، وسنفقد إمكانية عملية التداخل لتصنيع البنية الكاملة للقصيدة الحديثة شكلا ومضمونا.
الحداثة إذن تعني بالنسبة للشاعر الحديث تفجير الموروث والخروج والابتعاد عن كل ما هو قيد أو تقنين. وبما أن للحداثة بعدا تاريخيا فهي تشترط قبل ذي قبل في تبديل الرؤية للوجود وموجوداته وما بينهما من علائق. بشكل أخر، هي محاولة لتأسيس لغة مضادة متمردة، لم لا، على الخط السائد، صدامية التكوين، جريئة في مفاهيمها عميقة في طروحاتها المضمونية. وليس من مهمتها أبدا أن تكون توفيقية، بل العكس تماما، مهمتها تحطيم أسوار التعتيم، وربما تجاوز النحو والبلاغة والعروض والقوانين اللغوية بكافة صورها. إنها محاولة لا تساير ولا تصالح ولا تتواطأ مع القديم، تصهر وتذيب وتكلس الذوق التقليدي وتحطم معايير الذاكرة لترسم في نهاية المطاف خطوط رحلة داخلية من خلجات الروح والعقل المبدع والحساس بانفعالات الذات.
ضد الدكتاتورية وضد الحرب
■ رجعت إلى العراق مؤخرا في زيارة، قبل أن أسألك عن انطباعاتك عن تلك الزيارة إلى مسقط الرأس أود أن أسمع منك موقفك من الحرب الأمريكية التي شنت على العراق.. كيف كان موقفك قبل دخول الأمريكيين بغداد وسقوط النظام العراقي؟
● الصورة بالنسبة ليّ طالما كانت واضحة، وبالتالي موقفي كان ولا يزال واضحا من جملة القضايا المتعلقة بالمشكلة العراقية. قبل سقوط نظام صدام بأيام وفي مظاهرة نظمت ضد الحرب على العراق في فرنسا، مساء يوم 29/3/2003 كنت برفقة زوجتي في المظاهرة. لكنا لم نكن نرفع شعارا يندد بالحرب على العراق فحسب، بل ومعه شعار يدين الدكتاتورية والمذابح التي ارتكبت ضد الشعب العراقي من قبل النظام الساقط. كنت مثل أغلبية العراقيين المنفيين في فرنسا، وليس كلهم، مناهضين لبوش ولسياسة أمريكا في العراق وفي الشرق الأوسط والعالم، وفي الوقت نفسه مناهضين للدكتاتورية في العراق. وهذا ما لم يكن يريح العقول "الصدامية" واستخباراتها في فرنسا، في أن يدان الدكتاتور علنا في الإعلام المكتوب والمرئي والمسموع، وأن يرفض هو ونياشينه جملة وتفصيلا، كما نرفض في الوقت نفسه الإمبريالية المتمثلة "ببوش" وحربه الفتاكة ضد الشعب العراقي. فجاء الاعتداء المنظم عليّ وعلى زوجتي الفرنسية في وسط تلك المظاهرة التي كانت تجمع مئات الألوف. الاعتداء جاء بتحريض من أحد مسؤولي [جمعية المغتربين العراقيين في فرنسا]، وهي واجهة عربية كانت تديرها الاستخبارات العراقية في فرنسا وفي أوربا. فهجم عليّ ليضربني مع أكثر من 15 عشر شخصا، كانوا ملثمين بالكوفية الفلسطينية، أسقطوني بركلاتهم على الأرض مرتين. وما زلت إلى اليوم أعاني من أوجاع في الكتفين والأضلاع. كل هذا لأني كنت أتحدث إلى أحدى قنوات التلفزة الفرنسية، وسط شارع محتشد بالمتظاهرين، وكنت أحلل طبيعة النظام الفاشي وطرق نشاط عملائه في أوربا، وكيف يستخدم الإسلام والقضية الفلسطينية كذبا وزورا.
نظرة آمل
■ بعد السقوط الشهير للتمثال ووصول دبابات الأمريكان إلى قلب مدينة بغداد، كيف أصبحت الصورة العراقية بالنسبة لك ؟
● في ما بعد، وحين سقط تمثال "صدام" في يوم 9/4/2003 الغريب في الأمر أني لم أشعر بالفرح. زوجتي الفرنسية كانت تسيل دموعها من الفرح وهي تبتسم، أما أنا فكنت مشدوها، وضلعي لم يشف وفمي الدامي لم ينشف بعد من جروحه من جراء الضربات التي كيلت ليّ في مظاهرة خرجت بها ضد الحرب في باريس، وكنت ضد الحرب والدكتاتورية معا. كنت أشعر بالغبن بصفتي ضحية، لأن فرحتي قد سرقها الأمريكان. بعد سقوط الدكتاتورية ولد واقع جديد، هو واقع الاحتلال. علينا أن نعي بأن هناك هزيمة تاريخية حلت بنا، هوت مثل الفأس على يافوخ هذا البلد وعلى قلب حضارته، والسبب في كل ما حل بنا أعيده إلى الدكتاتورية، فهي التي أوصلتنا إلى الاحتلال. إن المنفي، من أمثالي، ومن أهدى عز شبابه فدية إلى هذا البلد وأجياله التي ذاقت مرارة جهل الآباء قبل مرارة سيطرة الأجنبي الإمبريالي على خيراته، هو نفسه المغيب اليوم بقصد أو بغيره، وبحجج شتى.
باريس / المشاهد السياسي
صلاح الحمداني شاعر ومسرحي وسينمائي عراقي يكتب وينشر بالفرنسية والعربية، له العديد من المجموعات الشعرية وفي رصيده العديد من الأدوار السينمائية والتلفزيونية والمسرحية الفرنسية، يقيم في باريس منذ ثلاثة عقود، وينشر أعماله في دور نشر ذات سمعة كبيرة. لعب صلاح الحمداني على خشبة المسرح الوطني الفرنسي في باريس شخصية "أنكيدو" في مسرحية «كلكامش»، قدمت باللغة العربية الفصحى، من إخراج المخرج الفرنسي الكبير الأرجنتيني الأصل "فيكتور غارسيا" وعرضت ضمن العروض السنوية الكبرى للمسرح الوطني الفرنسي في «مهرجان الخريف» عام 1979.
ولعب شخصية "أحمد" في مسرحية «لاتور دو لادوفنس» باللغة الفرنسية، للكاتب المعروف "كوبي" ومن إخراج "كلود كونفرتس" وعرضت عام 1981 على مسرح «لافونتان» الباريسي. ومن أعماله في فرق عربية لعب شخصية "وليد" في مسرحية «كفرشما» لفرقة "الحكواتي الفلسطينية" التي يديرها "فرنسوا أبو سالم"، وقد قدمت هذه المسرحية بثلاث لغات "العربية، الإنكليزية والإيطالية" وعرضت ضمن جولة أوربية عام 1988 دامت 6 أشهر، وفي رصيده عروض أخرى عديدة. وفي ميدان الإخراج المسرحي، أخرج صلاح الحمداني «الصمت ليس ورديا ... أنه أبيض» مسرحية باللغة الفرنسية أعدها من نصوص الشاعر الإغريقي "يانيس ريتسوس"، وعرضت في فرنسا وسويسرا عام 1985، ومسرحية «الرجل المستطيل»، أعدها من نصوصه الشعرية وعرضت باللغات العربية والأسبانية والكتالانية وفي إسبانيا حازت على الجائزة الأولى في مهرجان "تراكونا" المسرحي لعام 1986.
وإلى المسرح فإن صلاح الحمداني مثل في العديد من الأفلام السينمائية الفرنسية والأوربية، وكذلك في الدراما التلفزيونية الفرنسية.
شعريا لصلاح الحمداني أكثر من عشرين كتابا بالفرنسية وله قليل من الكتب بالعربية. شعره المكتوب بالعربية ترجمه بنفسه إلى الفرنسية، وبمساعدة من أصدقاء فرنسيين كان يختارهم للعمل على النص الشعري المكتوب بالعربية في مغامرة مميزة لنقل أشعاره غالبا ما يخرج منها شعر جديد مختلف عن الأصل فهو لا يترجم حقيقة بمقدار ما يعيد كتابته شعره بلغة أخرى.
يعتبر صلاح الحمداني الذي يبدو مجهولا في العربية شخصية أدبية مميزة بجلاء ساطع، فهو متعدد المواهب والاهتمامات، لكن المسرح ظل الأساس الذي نهل منه، والشعر أغنيته في ليل المنفى الطويل، فقد عاش ثلاثين عاما لاجئا في فرنسا بعيدا عن الوطن، من دون أن يفقد اهتمامه بما يجري في وطنه، ومن دون أن يتوقف عن الانتماء إلى الحرية وما تقتضيه من كفاح يومي، من هنا جاء ارتباطه باليسار الفرنسي والأوربي، وعمله مع مخرجين وممثلين وفنانين وشعراء يساريين فبات طرفا في معركة دولية تعرضَ خلالها للمحاكمة بفعل هجمات اليمين الفرنسي على اليسار.
«المشاهد السياسي» التقت الشاعر صلاح الحمداني في حوار جريء وغني لتكشف للقراء العرب عن تجربة إبداعية استثنائية، لها احترامها في الأوساط الأدبية الفرنسية.
سألت صلاح الحمداني :
■ لديك نشاطات مجهولة عربيا في ترجمة الشعر ونشره بالفرنسية، وفي الإطار نفسه أسست مجلات وأشرفت على أعمال تتصل بنشر الشعر، حدثنا عن هذه الخبرات ؟
● أشرفت حقيقة، ولأعوام عديدة، على ورشة فنية تحت اسم «حقل الكلمات» تحولت فيما بعد إلى جمعية ثقافية تحمل الاسم نفسه، مهمتها تشجيع ترجمة ونشر الشعر، وإصدار وتوزيع "بوسترات" تجمع ما بين القصيدة والرسم والخط والصورة. وقد نشرت للشاعر الفرنسي الراحل "كَلفيك" والفنان الخطاط "حسن مسعودي" وغيرهم. وأسست دار نشر تحت اسم «السلالم البيضاء»، [لو سكالية بلان Le Escaliers Blancs] وكذلك قمت بمحاولات عديدة لتأسيس ونشر مجلات شعرية باللغتين العربية والفرنسية. أولها مجلة «طباشير» صدر منها ستة أعداد وأربع مجموعات شعرية، أما المجلة الثانية فحملت اسم «المرفأ» صدر منها عدد واحد فقط وقد توقفت كلتا المجلتين لصعوبات مالية.
نحو عصر النور
■ متى خرجت من العراق، وكيف كانت ظروف رحيلك عنه ؟
● خرجت هاربا، لم يكن خروجي يسيرا كمن يخرج في نزهة. كان ضربا من الانخلاع القسري بسبب العنف السياسي والإرهاب المنظم الذي مارسته الجماعة الحاكمة ضد المختلفين سياسيا، وكنت من هؤلاء المختلفين. وصلت إلى باريس سنة 1974. كنت يافعا، ولم يكن لدي تحصيل جامعي بسبب النشأة في بيئة فقيرة والكدح من أجل الخبز. لكن الشعر والفن كانا يدوّمان في رأيي وروحي عامرة بالرغبة في التعبير عن الذات. في البداية عملت في مهن يدوية شاقة، مثل عامل بناء الخ... رحت أعمل نهارا وأدرس المسرح والسينما في الجامعة مساء. وبعد ذلك حصلت على "ليسانس" في المسرح من جامعة باريس 8. ولم ألبث أن انخرطت ملء طاقتي في نشاطات عدة في الأدب والفن، قمت بأعمال في مجال الإخراج والتمثيل في المسرح والسينما والتلفزيون، وكانت بعض محطاتي مذهلة في جمالها، لكوني عملت مع مخرجين مثقفين كبار فرنسيين وأمريكيين لاتينيين وقدمت للمسرح الفرنسي نصوصا مسرحية شعرية على شكل أمسيات ومسرح جيب ومسرح شارع، وشاركت في لقاءات أدبية فكرية في أنحاء عدة من فرنسا والعالم. وعملت في باريس مع "فرنسوا أبو سالم" في فرقة "الحكواتي الفلسطينية".
ومن ثم ساهمت مع أدباء فرنسيين بتأسيس مجلتي الشعر اللتين أسلفت الحديث عنهما. نشرت حتى الآن ما يقارب الـ 23 كتابا، من الشعر والقصة، منها ما كتبته مباشرة بالفرنسية ومنها ما كتبته بالعربية وترجمته لاحقا بنفسي إلى الفرنسية لكوني وجدت أن مجالي الحيوي هو البيئة الفرنسية التي أعيش فيها، وأن قارئي لابد أن يكون فرنسيا حتى لو كان جزءا مهما من أعمالي قد كتب أصلا بالعربية.
المسرح علمني الفرنسية
■أنت اليوم تكتب بالفرنسية ولديك حوالي 5 مجموعات شعرية كتبتها رأسا بالفرنسية بخلاف تلك التي ترجمتها بنفسك. تقول أنك «بدأت في تعلم اللغة الفرنسية في الشارع وفوق الأرصفة. ولكن الفضل الأكبر يعود للمسرح، فهو الذي ساعدني على فهم بعض تعقيداتها». كيف ؟
● المسرح هو أصلا ترجمة لحالات اجتماعية وكونية ووجودية، ولأن الذي يمثل دورا ما يتطلب منه معرفة ليس فقط حياة الشخصية المسرحية التي يريد أن يعكس من، خلال المسرح، تعقيداتها، ولكن يتطلب منه أيضا معرفة عصر وزمن وحياة هذه الشخصية، وكذلك طريقة لفظها للغة، أي الحوار، ولهذا فبدل ما كنت أدرس قواعد اللغة الفرنسية بشكل أكاديمي كنت أدرس وأحلل في الوقت نفسه النصوص الأدبية والشعرية والمسرحية مما ساعدني على فهم كثير من الأمور وأيضا خصوصية النصوص واللغة وأيضا ساعدني على لفظ كلمات وجمل هذه النصوص وعلى ترجمة حسية الكلمة. ورغم مصاعب الترجمة وتعقيداتها بشكل عام والشعر بشكل خاص، وبالذات نقل الشعر العربي إلى اللغات اللاتينية ومنها اللغة الفرنسية أجد نفسي اليوم أكثر قدرة من ذي قبل على ترجمة [أولية] جيدة لقصائدي بنفسي من العربية إلى الفرنسية أو العكس. علما بأني لم أصدر أي كتاب باللغة الفرنسية إلا بمساعدة أصدقاء فرنسيين. وأغلبيتهم لم يكونوا من الشعراء أو المترجمين المحترفين. والحقيقة أنني لا أترجم ما اكتبه بالعربية، بل [أضغطه وأفرشه وأسحبه وألوي رقبته]، ومن ثم أغربله وأغير فيه الأمكنة والأزمنة. فالنهر باللغة العربية ممكن تحويله إلى اللغة الفرنسية ليصبح بحرا أو ساقية، وهكذا، النجوم تتحول إلى رمال والموت إلى صناديق والفراشات إلى خفافيش والحشائش البرية إلى بساتين الخ. كتبت مثلا، قصائد باللغة الفرنسية وقد نشر قسم من هذه القصائد وصدرت عن دار نشر فرنسية تحت عنوان «الشك». ولكن لو أراد أحد مقارنة ما أنشره من قصائد باللغة العربية مع ترجمة نفس هذه القصائد باللغة الفرنسية، فسوف يكتشف ومن دون عناء، أن قسماً لا بأس به من هذه القصائد قد جرت على أشكالها ومضامينها عمليات تحويلية وتعديليه. ومرات طالها التغيير الكامل وأن زيها العربي لم يبق منه غير أسمي وأسلوبي ولوعتي بالكتابة وأصلي. أما حينما أترجم لغيري من الشعراء، فالعملية تختلف تماماً إذ أكون مثل عامل البناء الذي ينظم موضع الطابوق والأسلاك حسبما أراده المهندس من تصميم وشكل. ولكن لا أستطيع للآن الاستغناء عن العنصر المساعد الفرنسي بعملية الترجمة لغيري من شعراء أيضاً. فنحن الذين لم نولد بلسان فرنسي لا بد لنا من العودة إلى ذاك الذي رضع اللغة مع لبن الأم لينبهنا إلى خفايا اللغة.