Le destin ressemble à ces nuits entières
oubliées dans l’encrier... Salah Al Hamdani
كلما تمرستَ بحلِ عقدُ الحياة
تساقطَ من حولكَ من يتصنعُها... صلاح الحمداني
Site officiel de Salah Al Hamdani
ــ موقع صلاح الحمداني ــ
مقالة نشرت في مجلة أوروك الأدبية : الجريدة المركزية لوزارة الثقافة العراقية
العدد (80) من ملحق [أوروك الأدبي] ليوم الاثنين، 1 أيار ـــ مايو عام 2023
https://www.facebook.com/photo?fbid=548313667470333&set=a.405566451745056
فيض الذاكرة ـــ في (التصفيق للسراب بيد واحدة) لصلاح الحمداني
بقلم الشاعر سلام صادق
في سلسلة سرديات عربية الصادرة عن دار الكتاب التونسية صدر للشاعر والكاتب والفنان المسرحي العراقي ــ الفرنسي صلاح الحمداني كتابه الموسوم "التصفيق للسراب بيد واحدة"، وهومن صنف الكتابة الحكائية اذا شئنا تصنيفه أو وضعه في قالب معين رغم ان الكاتب قد لا يروقه هذا النعت الذي قد يتعارض مع مبدأ الحرية الذي يؤمن به والذي يجب ان يمرح به فن الكتابة دون تبويبه أو هصره . في بودقة معينة. ل
إنها مجموعة من حكايات لاتشبه بعضها لكنها في نهاية المطاف تستاف من بعضها وتتناسل عزلة وقهرا وكأبة وابتعادا عن الضجيج ، غير ان الاستثناء موجود هنا ايضا حيث تتغلب فيوض الذاكرة هذه على القواعد التنفيذية الاصيلة تلك حين يذهب الكاتب بعيدا في مرارة طفولته الى غير رجعة انه يؤبد، ويؤبد البقاء فيها خوفا من شيخوخته في (منفاه الابدي) حيث يحلو له تسميته كذلك. م
بين ثنايا السرد يلمس القارئ تعرّف الكاتب على حياته بمحض ممارسات الصدفة البعيدة وحين لم تأبه لوجوده فيها وفاعليته ضمنها تمرد عليها ليصبح يتيم الوطن في وقت مبكر وليس يتم الابوين فحسب، ولذا بقي حتى في منفاه مشغولا بالصدام الابدي الذي يطرح نفسه بصيغ متعددة بين انسانية الانسان وبين ذاكرة التهديد بالدمار والحرب التي يدفع ثمنها في نهاية المطاف الانسان نفسه. م
انها دراما الكاتب المؤبدة القائمة بين الحياة والموت، بين الحضارة المادية والخراب النفسي المغلف بوحشية لا يطيق الانسان الوقوف بوجه بشاعته ونزعته العدوانية، ولذا فأن الكاتب هنا يقف مشيرا بأصبع الادانة والاتهام لمنظومة القيم الدينية التقليدية ومتطلباتها العسيرة من اجل ان يحوز اقانيم حريته في ظل (حطام بلد بحاجة الى بناء) انسانا وحضارة حيث ينطلق الكاتب من اصالة معاناته الشخصية ومعايشاته المرّة بصدقها وعفويتها ليعبر عن هموم جماعية تشدها قواسم مشتركة بقسوة الدمار الذي يتعرض له الانسان في حياته اليومية المعاشة وانسحاقاتها (لا رغبة لي بالتخلي عن الاشياء الجميلة، عن استقلاليتي بالانتماء للإنسانية من عدمه). م
وهكذا يتصاعد السرد ليبلغ ذروته في نصوصه الحبلى بتجاربه الحياتية المتلاقحة مع بعضها والتي تكتنز احيانا شحنات عالية من الاحساس بالعزاء والخسران، لكنها لا تلبث ان تكون الوقود الذي ينير له طريقه نحو طمأنينة الروح في عزلته الاثيرة في منفاه (الابدي). م
وقد يبدو مضمون هذه السرديات احيانا شرسا او قل مرعبا مشحونا بالتصورات والايحاءات القاسية وبالوان مختلفة تلوح صاخبة، او صارخة نازفة تذمرها، اي انها في الخلاصة نصوص رفض وعصيان وتمرد على كل ما هو سطحي وبليد وتافه، فهي سرديات يتكرر فيها احتمال السجن او النفي والابعاد ويلوح بين ثناياها للخطر الداهم على الدوام، هناك حيث تتلازم عناصر الموت والحرب والخراب. م
الملاحظ في "التصفيق للسراب بيد واحدة" بانه وخلال سرد الاحداث تتولد عناصر تهيء لحدث قادم يشد القارئ بوشائج وخيالات واسقاطات تعطي للسرد تكامله من حيث طاقته وتجلياتها اللاحقة، فهناك لكل حالة او حدث توتراته وامتداد هذه التوترات ومدلولاتها لتتخذ شكلا اكثر وضوحا كلما اوغلنا في قراءة المزيد من هذه السرديات، وكأن هناك وشائج خفية تربط ما بينها، حيث يدور معظمها في نفس الدائرة من القسوة والظلم الاجتماعي ولا يجد القارئ صعوبة في التقاط الخيوط التي تربطها داخليا، رغم ان السرد بمعظمه يتنقل في فضاءات شاسعة وفي عالم متناه في واقعيته. م
ويتجلى ذلك في البنية السردية اساسا والتي تتشكل في عالم واقعي غير متخيل، عالم متماسك داخليا بحكم كونه عالما معاشا وممرر بتجارب قاسية تترك اثرها ندوبا في عقل وضمير الكاتب دون الاهتمام بأوهام المجاز واستعارات التداخل، حيث يتحول الحدث باعتباره اهم عناصر الحكاية الى معنى لا يلبث ان يتحول الى مبنى عام تشحذه القسوة ويسيره القمع. م
أما عن لغة السرد في "التصفيق للسراب بيد واحدة"، فأنها لغة مقتصدة لكنها ذات مديات شاسعة تمتاز بعفويتها وبساطتها يشتغل عليها الكاتب بحذر وتأني من اجل ان تأتي منسابة وواضحة في تعيين الاشياء والوقائع بحيث لا يمكن فصلها عن المضمون، فللغة في هذه السرديات دور كبير في تشكيل الرؤيا في نهاية المطاف، انها لغة بعيدة عن الاطناب والتقعير والانشاء او التزويق اللفظي بحيث تجعل السرد يمر كشريط سينمائي، تتوالى ومضاته بإيقاع لا يولد الرتابة، وكل ذلك يأتي في سياق سردي محكم ومتماسك بتقنية موحدة ودقيقة تسود الفضاء السردي وتغلفه بأكمله. م
انها سرديات تتوالى وتتزاحم فيها الوقائع المشهدية والمعايشات المرة ونقيضها الاحلام والآمال بإيقاعاتها وترتيبها وعمق علائقها الرمزية المصوبة في جانب منها، لنقد حالة الفصام في حياة الافراد والجماعات. م
أن "التصفيق للسراب بيد واحدة"، تقترب كثيرا من السيرة الذاتية حيث يلجأ الكاتب الى سرد الوقائع والاحداث لا كما يراها في الواقع المجرد وبرؤياه البصرية، وانما من خلال حسه الجمالي الذي يتخلى عن الكثير من التفاصيل الباهتة وغير ذات الاهمية بالنسبة لجمالية الحكاية ولانبهار القارئ على حد سواء. م
لا يجهد المؤلف نفسه في البحث عن بطله النموذجي الذي بإمكانه الارتقاء بالحكاية الى مستويات منطقية، وربما تضليلية من خلال الرمز والايحاء، ذلك لان السارد فيها هو الشخصية المحورية ـــ المؤلف، وهو الراوي نفسه سالكا طريق البوح والمكاشفة وهذا ما يهمه بالدرجة الاولى، ويعتمده كجوهر للعفوية والموضوعية التي عاشها او عايشها وما نتج عنها من افعال وسلوكيات طبعت العلاقات الاجتماعية وتكرست في الاطار العام الاجتماعي والسياسي والعقائدي اذا شئنا مفاقمة الدوافع الدفينة لنقد وفضح بعض تلك السلوكيات الناشزة ووضعها على المحك، واماطة اللثام عما تسببت به من خراب وعرضه على الناس والكائنات. م
بقلم الشاعر سلام صادق
آيار 2023